بعد طول انتظار، انتهت "الورشة" الأضخم في ملف ​التشكيلات القضائية​ وسلكت طريقها نحو التطبيق في سعي جدي لتفعيل العمل القضائي. أربعة أطراف أساسية شاركت في إنجاح هذا الإنجاز، هم ​التيار الوطني الحر​، ​تيار المستقبل​، ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ والثنائي الشيعي، وهذا ما رفع من منسوب "الاعتراضات"، خصوصا ممن يعتبرون أنهم هُمشوا في هذا الموضوع.

لن ندخل في أسماء ​القضاة​ بشكل تفصيلي لانها وردت في أكثر من مكان بناء على تسريبات من هنا وهناك، ولكن لا بد من الوقوف على الاعتراضات التي ظهرت بعد اعلان انتهاء التشكيلات، فمنها ما هو سياسي، كاعتراض ​القوات اللبنانية​، ومنها ما هو "قضائي".

في البداية تكشف مصادر متابعة لـ"النشرة" ان عددا من القضاة أظهروا استياءهم الشديد بعد إنجاز التشكيلات وعدم حصولهم على ما كانوا يتمنون، مشيرة الى أن سبب غضبهم لا يعود لكونهم ظلموا، بل لكونهم "صدموا" بأن مكانتهم لدى الزعماء السياسيين ليست كما يظنون. وتقول المصادر: "أحد القضاة في جبل لبنان "سابقا" ظنّ أنه "رأس حربة" رئيس التيار الوطني الحر ​جبران باسيل​، وأن الأخير على استعداد لـ"تطيير" ملف التشكيلات القضائية لاجله"، كاشفة أنه أصيب بخيبة أمل بعد أن وجد نفسه في منصبا أقل بكثير مما كان يأمل.

وتلفت المصادر النظر الى أن معيار الانتماء السياسي لم يكن "الأول" خلال اختيار التوزيع، بل كان لا بد لهذا المعيار أن يقترن بـ"الكفاءة" في اغلب المواقع، مشيرة الى أن مواقع أخرى لم يستطع معيار الكفاءة ان يدخل اليها بسبب التجاذبات السياسية والطائفية والمذهبية. وتكشف المصادر أن رئيس الحكومة سعد الحريري كان "قاسيا" جدا في بعض الأحيان من خلال تمسكه بأسماء مثيرة للجدل، مشيرة الى أن "نية" التوافق غلبت على كل الخلافات والتجاذبات اذ أن "الإصلاح" الجزئي في ​القضاء​ أفضل من "لا إصلاح".

بالمقابل كان للقوات اللبنانية موقفها "السلبي" من التعيينات، اذ تشير مصادرها الى أنها ظلمت، محملة المسؤولية لوزير الخارجية جبران باسيل. وفي هذا السياق تؤكد المصادر عدم "صوابية" هذا الموقف، مشيرة الى أن كل الافرقاء أخذوا حصصهم التي طلبوها. وتقول المصادر: "قدّمت القوات لائحة أسماء حوَت ما يقارب العشرة أسماء، منها ما هو "قواتي" محض، ومنها ما هو مشترك بين التيار الوطني الحر وبينها، اذ أن القوات لا تملك أعدادا كبيرة من القضاة المحسوبين عليها، مع العلم أن هذا الحال لا يختلف كثيرا عند التيار الوطني الحر".

وتضيف المصادر: "اربعة مواقع هامة نالتها القوات اللبنانية هي: رئيس استئناف في الشمال، رئيس اول ب​بيروت​، ومحاميان عامّان في جبل لبنان، اضافة الى اسماء مشتركة مع التيار الوطني الحر"، بينما نال التيار الوطني الحر الذي يتهمونه بالحصول على حصة الأسد، حوالي 10 مراكز اساسية منها: مدعيان عامّان، محاميان عامّان في جبل لبنان، قاضي تحقيق اول بالشمال، مفوض الحكومة، معاون مفوض الحكومة، رئيس استئناف بالشمال، ومحام عام في بيروت وآخر في جبل لبنان لم يتغيّرا أصلا".

بينما فيما يخص تيار "المردة" فنال ثلاثة مراكز مهمة هي: محام عام في جبل لبنان ورئيس تمييز عسكري ومركز ثالث سيظهر مع اعلان مرسوم التشكيلات. وفي سياق متصل تلفت المصادر النظر الى أن "غضب" القوات اليوم يشبه الى حد التطابق موقفها إبان تعيينات السفراء، حيث حصلت وقتها على ما طلبته واعترضت، مشيرة الى انها تعتمد سياسة "النق" للحصول على مكاسب في مراحل اخرى، ولعل أبرز ما تتطلع اليه اليوم هو ملف "​تلفزيون لبنان​" حيث تأمل أن يتنحى الوطني الحر عن منافستها عليه.

بعد انتهاء "الامتحان" القضائي الصعب، أبصرت التشكيلات الجديدة النور، فكانت منصفة الى حد كبير، وحملت تغييرات يُنتظر منها الكثير في المستقبل، خصوصا وأن الجميع يتحدث اليوم عن إعادة بناء الدولة "العادلة".